16 أكتوبر 2017

في انتظار معجزة، يعيش الطفل آسر كابوسًا خلف القضبان بين سجناء جنائيين ومدانين خطرين منذ القبض عليه فجر 12 يناير 2016.

قبل ذلك اليوم الشتوي قارس البرودة، كانت حياة آسر محمد زهر الدين موزعة بين الدراسة والرسم وكرة اليد في نادٍ رياضي شهير؛ ضمن فريقه تحت سن 17 سنة. انتهى كل ذلك منذ اقتحم الأمن منزل ذويه في حي فيصل بمحافظة الجيزة قبل 647  يومًا، حين كان في الخامسة عشر من عمره.

لم تعرف عائلة آسر مصيره إلا بعد 33 يومًا على «اختفائه»، حيث أدرج اسمه على قائمة الإرهابيين في مصر، وفقًا لما ذكره الطفل لاحقًا في تحقيقات النيابة. وتتواصل محاكمة الطفل المولود في  2 فبراير 2001 أمام دائرة الإرهاب بمحكمة الجنايات، متنقلًا بينها وبين سجن الجيزة المركزي، الواقع داخل معسكر لقوات الأمن المركزي في صحراء مدينة السادس من أكتوبر، شمال غرب القاهرة، بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية، في مخالفة لقانون الطفل، وفق محاميه مختار منير المحامي في مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

حياة آسر في الاحتجاز والمحاكمة تتشابه وحال نحو  3200 طفل، تحت سن 18 عامًا، سجنتهم السلطات المصرية منذ عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، عقب منعطف 30 يونيو 2013. جميعهم احتجزوا مع بالغين وبعضهم تعرّض للتعذيب وسوء المعاملة، وفق ما أورده تقرير صدر عن مؤسسة «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» فيأغسطس2015.

يدفع هؤلاء القصّر ثمن ثغرة في قانون الطفل المصري تسمح للنيابة بإحالة أحداث لمحاكم الجنايات إذا اشترك في الجريمة شخص واحد على الأقل عمره يتجاوز الثامنة عشر عامًا. هذا الإجراء يتناقض تمامًا مع (المادة 119) من القانون ذاته التي تحظر حبس الطفل (دون سن الخامسة عشرة) احتياطيًا، وكذلك مع (المادة 80) من الدستور المصري، الذي يلزم الحكومة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال، على أن يحتجزوا في أماكن مناسبة ومنفصلة عن مراكز البالغين. ويتناقض كذلك مع (المادة 37) من الاتفاقية الدولية لحقوقالطفل، التي صادقت عليها مصر عام 1990، والتي تشترط«ألا يُحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يتم اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقًا للقانون، ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة».

يقول قاضٍ في محكمة جنايات لـ «مدى مصر»: «تضع هذه الثغرة محاكمة الطفل أمام محاكم الجنايات، أو إحالته إلى محكمة أحداث، (بناء على) تقدير القاضي». ويوضح القاضي الذي يرفض الإفصاح عن هويته لحساسية منصبه: «القانون يسمح للقاضي بمحاكمة الطفل أمام محكمة جنايات طالما هناك بالغون في القضية ذاتها».

لكن القانون -بحسب القاضي- «يعطي المحكمة حق دراسة ظروف الطفل من جميع الأوجه قبل أن تصدر حكمها. ولها أن تستعين في ذلك بمن تراه من الخبراء. كما لها أن ترفض الحكم على الطفل لعدم اختصاصها، وإحالته إلى محكمة أحداث. ولها أيضًا إطلاق سراحه وتسليمه لذويه».

يعزّز رأي القاضي صدور أحكام براءة لأطفال من محاكم جنايات، من بينها حكم الدائرة 15 جنايات إرهاب، برئاسة المستشار شعبان الشامي، بتسليم الطفل عمار علاء حسن لأسرته. وكان عمّار سُجن في يناير 2016  وظلّ قيد الحبس الاحتياطي حتى نال البراءة في 4 يونيو 2017 عن اتهامه بالتظاهر والانضمام لجماعة إرهابية وحيازة مفرقعات.

 


على مدى أربعة أشهر، تتبع «مدى مصر» 35 قضية لأطفال مثلوا أمام محاكم جنايات ومحاكم عسكرية، كما التقى بأكثر من 10 أطفال قصّر أنهوا عقوبات جنائية تراوحت بين سنة وثلاث سنوات داخل سجون مخصصة للبالغين، بالمخالفة للمادة 141 من قانون الطفل الذي يلزم بسجنهم في مكان الحجز المخصص فقط للقصّر في مصر، وهي المؤسسة العقابية بالمرج.

أعمار الأطفال تراوحت بين 14 و17 عامًا، فيما تراوحت الأحكام بحقهم بين ثلاث وعشر سنوات. معظمهم قضوا مددًا في الحبس الاحتياطي بين 900 و1500 يوم قبل صدور الأحكام عليهم. وتلقى ثلاثة من خمسة أطفال أحكامًا بالبراءة أمام محاكم عسكرية. وفي نهاية أغسطس الماضي أنهى طفل آخر عقوبة نفذها كاملة بالسجن ثلاث سنوات.

ورصد «مدى مصر» صدور ثلاثة أحكام بالإعدام على ثلاثة أطفال في محافظة المنيا، قبل أن تُلغى هذه الأحكام وتعاد محاكمتهم.من بينهم كان آسر زهر الدين، الذي عُرض على النيابة العامة للمرة الأولى – دون محام- يوم 13 فبراير 2016، وفق محاميه. وهو يقضي أيامه بين غرف التحقيق بنيابة أمن الدولة العليا ومقر احتجازه داخل سجن الجيزة المركزي.

ولم تستجب النيابة لطلب محامي آسر بعرضه على الطب الشرعي سعيًا لإثبات تعرضه للتعذيب ونقله إلى المؤسسة العقابية، وفق ما يقره قانون الطفل.

 أسرة آسر لم تستوعب ما حدث لابنها، وظلت تأمل في إخلاء سبيله. غير أنها فوجئت بإحالته في أكتوبر 2016، إلى محكمة جنايات الجيزة- دائرة الإرهاب برئاسة المستشارناجي شحاتة، الذي أصدر  204 أحكام بالإعدام و 274 حكمًا بالمؤبد منذ توليه رئاسة دائرة الإرهاب في ديسمبر 2013، قبل أن تلغي محكمة النقض بعض هذه الأحكام وتقرر إعادة محاكمة المتهمين مرة أخرى.

يحاكم آسر وسائر المتهمين في القضية رقم 45 لسنة 2016 حصر أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلامياً بــ«الهجوم على فندق الأهرامات الثلاثة بشارع الهرم»، محاكمة تكاد تكون سرية، بما يخالف المادة 268 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقر بوجوب علانية جلسات المحاكمة.

فجلسات المحاكمة تعقد داخل أكاديمية الشرطة، بصحراء منطقة التجمع شرق القاهرة. حيث تحولت قاعات تدريس الطلاّب إلى مقرات محاكمة. هنا، يحجز المتهمون داخل قفص زجاجي عازل للصوت، ولا يسمح القاضي شحاتة سوى للمحامين بحضور الجلسات، في غياب الأهل والصحفيين.

ولم تراع المحكمة الاستثناء في (المادة 122) من قانون الطفل، التي تنص على جواز محاكمة الطفل أمام الجنايات أو محكمة أمن الدولة إذا كان عمره فوق 15 سنة وقت ارتكاب الجريمة. وذلك لا ينطبق على آسر، الذي أكمل عامه الخامس عشر وهو قيد الاحتجاز.

لم تتوقف الانتهاكات بحق آسر؛ إذ يؤكد محاميه أن اسمه أدرج ضمن «قائمة الكيانات الإرهابية والإرهابيين» بينما كان يستعد لامتحانات نهاية العام في الصف الثاني الثانوي، دون إخطار المحامي الذي كان يعد مذكرة الدفاع قبل جلسات المرافعة أمام المحكمة في يوليو 2017. نُشر الحكم الذي اطلعنا على نسخة منه في الجريدة الرسمية، بتاريخ 29 مايو 2017، بعد أشهر على صدوره في أكتوبر 2016. هذا الإجراء «استكمل الممارسات غير القانونية ضد الأطفال»، بحسب المحامي مختار منير.

إدراج الأشخاص ضمن قوائم الكيانات الإرهابية، بحسب قانون «تنظيم الكيانات الإرهابيةوالإرهابيين»، الذي أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي في فبراير 2015، يترتب عليه «منع من السفر وترقب الوصول، وسحب جواز السفر، أو إلغاؤه أو منع إصدار جواز سفر جديد، وفقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة أو النيابية».

 اتهامات بالإرهاب بالجملة

 منذ يوليو 2013، اعتُقل وسُجن  نحو 60 ألف مصري،  بحسب تقرير «هناك متسعللجميع» الصادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فيما لم تؤكد السلطات المصرية هذا الرقم أو تنفيه.

لم ينجُ الأطفال من حدّة الاستقطاب السياسي منذ 2011، حسبما يقول محمد أحمد، مدير الوحدة القانونية في الائتلاف المصري لحقوق الطفل. عقب عزل مرسي في 2013، اتسعت دائرة القبض العشوائي على أطفال، بمجرد مصادفة سيرهم في أماكن تمر بها مظاهرات: «لم تفرق وزارة الداخلية بين المتظاهر وغير المتظاهر، ولذلك قُبض على العديد بينما كانوا في طريقهم إلى أماكن تلقيهم الدروس أو عائدين لمنازلهم».

ويرى محمد أحمد أن الوضع السياسي والإعلامي أثرّ على المحاكم التي «تُعرض عليها أوراق تحريات المباحث وتحقيقات النيابة، ولم تكن مستعدة لتعطي الطفل نظرة خاصة، أو تبحث في حالته، إذ قد يكون مجنيًا عليه، أو مستغلًا سياسياً».

https://www.madamasr.com/ar/2017/10/16/feature